الدين ضرورة نفسية حيث إن نزعة التدين والإيمان بالغيب كامنة في النفس البشرية، وغريزة التطلع نحو المجهول، ومعرفة الغيب، والشوق نحو الاكتشاف للكلي اللانهائي له دلالات كثيرة منها :
أن في الإنسان عنصرا نبيلا خلق للبقاء والخلود، وإن تناساه الإنسان وتلهى عنه حينا، قانعا بالدون من الحياة الجثمانية، ويؤكد الدكتور/ دراز على أن التدين عنصر ضروري؛ لتكميل القوة النظرية في الإنسان، فبه وحده يجد العقل ما يشبع نهمته، ومن دونه لا يحقق مطامحه العليا .
ثم هو فوق ذلك عنصر ضروري؛ لتكميل قوة الوجدان، فالعواطف النبيلة من الحب والشوق والشكر والتواضع والحياء والأمل وغيرها، إذا لم تجد ضالتها المنشودة في الأشياء ولا في الناس، وإذا جفت ينابيعها في هذا العالم المتبدل المتبدد؛ وجدت في موضوع الدين مجالا لا تدرك غايته، ومنهلا لا ينفد معينه .
وأخيرا هو عنصر ضروري؛ لتكميل قوة الإرادة يمدها بأعظم البواعث والدوافع، ويُدَّرعها بأكبر وسائل المقاومة لعوامل اليأس والقنوط.
وهكذا نرى الفكرة الدينية تعبر عن حاجات النفس الإنسانية في مختلف ملكاتها ومظاهرها، حتى إنه كما يصح أن يعرف الإنسان بأنه (حيوان مفكر) ، أو بأنه (حيوان مدني بطبعه) ، يسوغ لنا – كذلك – أن نعرفه بانه (حيوان متدين بفطرته).
وقريبا من هذا يذكر الدكتور إمام عبد الفتاح إمام في مقدمة كتاب (المعتقدات الدينية لدى الشعوب): إذا كان أرسطو قد عرّف الإنسان بأنه «حيوان ناطق » أي مفكر، فقد عرّفه غيره من الفلاسفة بأنه «حيوان متدين» ، فذهب هيجل - مثلا – إلى (أن الإنسان وحده هو الذي يمكن أن يكون له دين ، وأن الحيوانات تفتقر إلى الدين بمقدار ما تفتقر إلى القانون والأخلاق)؛ ذلك لأن التدين عنصر أساسي في تكوين الإنسان، والحس الديني يكمن في أعماق كل قلب بشري، بل هو يدخل في صميم ماهية الإنسان، مثله في ذلك مثل العقل سواء بسواء.
وأرى أنه لو حذفت كلمة (حيوان) من هذه التعريفات؛ لكان أصوب!
ويقول وليم جيمس الفليسوف الأمريكي: إن أعظم علاج للقلق هو الإيمان.
ويقول ديل كارنيجي في كتابه (دع القلق وابدأ الحياة): إن أطباء النفس يُدركون أن الإيمان القوي والاستمساك بالدين كفيلان بأن يقهرا القلق والتوتر العصبي .
وكل الأمراض النفسية أساسها الحزن على ما فات، أو الخوف مما هو آت، فإذا تيقن الإنسان أن كل شئ بقضاء الله وقدره، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وإذا تيقن أن أحدا من البشر لا يملك له ضرا ولا نفعا؛ كان تيقنه وقاية له من كل اهتزازات نفسية أو تقلبات، وبذلك يعيش قوي النفس مطمئنها، لا يخشى إلا الله.
ويقرر الدكتور محمد كمال جعفر أنه بالرغم من صعوبة تتبع النظريات العديدة الخاصة بتتبع ما نسميه «الغريزة» وهدفها؛ فإنا نستطيع أن نتلقى درسا واضحا لا محيص من فهمه والتسليم به، وهو ضرورة الحاجة إلى مبدأ ديني أو أخلاقي؛ ليضبط الإنسان؛ إذا أريد له ألا تكون نفسه مسرحا للصراع المحتدم والفوضى التعسة.
وأختم – في هذه المقالة – بدراسة رائعة لأحد الأطباء النفسيين العالميين – العالم الأمريكي هنري لنك – الحاصل على الدكتوراه من جامعة ييل سنة 1916م حيث سجل في كتابه (العودة إلى الإيمان) ؛ ضرورة الدين من الناحية النفسية، وقد استخلص - من الاختبارات النفسية التي أجراها على مرضاه – نتيجة هامة هي :
أن كل من يعتنق دينا، أو يتردد على دار العبادة يتمتع بشخصية أقوى وأفضل ممن لا دين له، أو لا يزاول أية عبادة !
ويؤكد الدكتور هنري لنك على قناعته الكاملة بأن كل مكتشفات علم النفس لتقويم الشخصية والوصول إلى سعادة النفس ورضاها تنتهي إلى التمسك بالحقائق الدينية القديمة والتعلق بها !
ويختم العالم الأمريكي كلامه بأن الدين ليس ملجأ الضعفاء، ولكنه سلاح الأقوياء، فهو وسيلة الحياة الباسلة التي تنهض بالإنسان ليصير سيد بيئته المسيطر عليها، لا فريستها وعبدها الخانع !