حديثنا اليوم عن أعظم مرشح ومنظم للسائل الحيوي في العالم، إنها كلية (kidney) الإنسان، تلك الكلية التي تحافظ على الاتزان (Homeostasis) في الجسم البشري عن طريق:
- استخلاص المواد الإخراجية من الدم وإخراجها في البول.
- تخليص الدم من الماء الزائد، وبذلك تحافظ على نسبة الماء في الدم ثابتة مما يثبت الضغط الأسموزي (Osmotic pressior) للدم.
- المحافظة على مكونات الدم الرئيسة مثل خلايا الدم والجلوكوز والأملاح وغيرها.
- المحافظة على التوازن الحامضي القاعدي للدم بحيث تجعل الأس الأيدروجيني ph الدم عند مستوى (4،7) وذلك بإعادة امتصاص الصوديوم والبوتاسيوم والبيكربونات والفوسفات.
كما تحافظ الكلية على التأثير الأسموزي للدم وإحداث التوازن بين المحتوى الملحي للدم والمحتوى الملحي للخلايا وإخراج الكميات الزائدة منه.
وكل هذه العمليات المعقدة والضرورية لحياة الإنسان تتم في كليتي الإنسان ذات الشكل الكلوي المعهود والتي يغذيها الشريان الكلوي (Renal artery) الذي يدخل إلى الكلية ويتفرع فيها ليمر جميع الدم على وحدات الترشيح والتنقية في الكلية ويخرج فيها الوريد الكلوي (Renal vein) الذي يحمل الدم المنقى بالكلية ليصب في الوريد الأجوف السفلي الذي يصب في القلب ويخرج من كل كلية أنبوب ضيق يسمى بالحالب (ureter) ينقل البول وما يحتويه من الكلية إلى مخزن البول وهو المثانة البولية (Urinary bladder) وتخرج من المثانة قناة مجرى البول (Urethra) الذي يحمل البول بعيدا عن الجسم.
وإذا أردت أن تعرف عظمة الخالق في الشكل الظاهري للجهاز البولي السابق وصفه عليك أن تنظر إلى جمال جسم الإنسان وعدم رؤية كل هذه المجاري فهي قد وضعت بإتقان وحكمة وجمال واتزان داخل جسم الإنسان.
وإذا أردت المزيد قم بزيارة إلى قسم المسالك البولية في إحدى المستشفيات لترى العجب العجاب لمن يعانون من مشكلات في الكلية والمثانة والعضلات المتحكمة في البول لتشكر الله على هذا الوضع الدقيق والأنيق والنظيف والمبدع للكليتين والحالبين والمثانة وتجميع البول وإخراجه.
وقد أحاط الله سبحانه وتعالى الكليتين بكمية من الدهن المثبت والمحيط بها يتلقى عنهما الصدمات ويحميهما ويثبتهما في مكانهما أثناء المشي والجري واللعب والاستحمام، والقفز، والجلوس والنوم، والصلاة ، ولعب الرياضة وباقي مناشط الحياة.
أما التركيب التشريحي والداخلي للكلية فإنها من بدائع صنع الله وخلقه حيث تحاط الكلية من الخارج بالقشرة (Cortex) المحتوية على أجسام صغيرة كروية الشكل تظهر كالحبيبات تسمى كريات ملبيجي (Malpghiam corpusles) تصل عددها إلى حوالي مليون يخرج منها أنابيب تسمى بالأنابيب الكلوية (Renal tubules) توصل كريات ملبيجي بحوض الكلية (Renal pelvis).
وتنقسم تلك الأنابيب الكلوية في منطق القشرة إلى:
الأنابيب الملتفة القريبة (proximal convoluted tubules)والأنابيب الملتفة البعيدة (distal convoluted tubules).
ويلي القشرة منطقة النخاع (Medulla)وهي المنطقة الوسطى في الكلية ، وتظهر فيها خطوط طفيفة مستقيمة هي الأنيبات الجامعة (collecting tubules) تنتهي على شكل هرمي يسمى بأهرامات ملبيجي (Pyramids of Malpighi) تفتح في نهايتها الأنيبات الجامعة.
ويلي النخاع للداخل حوض الكلية (Pelvis) وهو المنطقة الداخلية من الكلية، وهو تجويف متسع تصب فيه الأنيبات الجامعة قطرات البول، ومن هذا التجويف يحمل الحالب البول إلى المثانة حيث يخزن إلى وقت إخراجه والتخلص منه.
وتحتوي الكلية حوالي مليون وحدة فسيولوجية تسمى بالنفرون (Nephron) وإذا فردنا نفرونات كل كلية يصل طولها إلى 380 متر يدور فيها الدم لاستخلاص البول والمواد الأخرى منه.
ويتكون كل نفرون من جزء متضخم يسمى محفظة يومان (Bowmans capsule) يحيط بكمية متجمعة غزيرة من الشعيرات الدموية تسمى بالكلبة أو الجمع (Glomerulus) ويسمى الجمع والمحفظة بكرية ملبيجي (Malpighian corpuscle) تخرج من كرية ملبيجي أنبوبة دقيقة هي الأنيبة البولية (uriniferous tubule) توصل كريات ملبيجي بحوض الكلية وتنقسم الأنيبة البولية الواحدة إلى الأجزاء التالية:
1- الأنيبة الملتفة القريبة (PCT) (Proximal convolvulated tubule)تقع قريبا من كرية ملبيجي في منطقة القشرة.
2- الفرع النازل على شكل حرف U تسمى لفة هنل Loop of Henelيتجه للنخاع.
3- الفرع الصاعد من لفة هنل الذي يتجه مرة أخرى إلى الخارج في منطقة القشرة.
4- الأنيبة الملتفة البعيدة (DCT) (Distal convoluted tubule) وهي أنبوبة ملتفة في منطقة القشرة.
5- الأنيبة الجامعة (collecting tubule): وهي أنبوبة مستقيمة تصب فيها الأنيبة الملتفة البعيدة وتوجد في منطقة النخاع تتحد هذه الأنيبات مع أخرى اكبر واكبر وتصب في النهاية في نهاية هرم مالبيجي.
وهذا التركيب الدقيق لم يخلق عبثا ولكنه خلق لغاية مقدرة وبحكمة بالغة تتضح في كيفية عمل الكلية.
تكوين البول:
يتكون البول في الكلية في عمليات ثلاث رئيسة هي:
1- عملية رشح لبلازما الدم تحت ضغط خلال الشعيرات الدموية في كرية ملبيجي.
2- عمليتا إعادة امتصاص وإفراز تقوم بهما خلايا الأنيبة البولية ينتج عنها تكوين البول في شكله النهائي.
1- عملية الرشح تحت ضغط (Ultera-filtration): وهي الخطوة الأولى في تكوين البول وتتم في كريات ملبيجي في منطقة الجمع أو الكبة التي يتجمع فيها أعداد كبيرة من الشعيرات الدموية الذي يجعل سطح الرشح كبيرة جدا حيث تنتقل المواد الموجودة في بلازما الدم تحت الضغط إلى تجويف محفظة بومان وقد تلاءم تركيب كريات ملبيجي مع وظيفته من رقة الجدر وكثرة الالتفاف.
فمن هيأ هذا التركيب المعجز لهذه الوظيفة المعجزة التي يتوقف عليها حياة الإنسان؟ (قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى).
وقد هيأ الله سبحانه وتعالى قوى الضغط الهيدروستاتي للدم والضغط الأسموزي وضغط الأنسجة للقيام بهذه الوظيفة حيث يساوي الضغط داخل الكلبة 70مجم/زئبق ويؤدي ارتفاع الضغط هنا إلى دفع المواد الموجودة في بلازما الدم إلى تجويف محفظة بومان وبذلك تتلاءم كريه ملبيجي مع الوظيفة التي خلقت من اجلها وهنا ترشح كل مكونات بلازما الدم ما عدا البروتين فهو يحتوي: الماء والجلوكوز والأملاح والفضلات النيتروجينية وأي مواد أخرى في بلازما الدم كبقايا الأدوية يمكن نفاذ جزيئاتها مع الرشيح الذي يسمى برشح الكلبة (Glomerular filtrate)أو سائل المحفظة (capsular fluid)والذي يصل حجمه إلى 180 لتر في اليوم الواحد.
2- عمليتي إعادة الامتصاص (Reabsorption):
أ- عملية إعادة امتصاص بالانتشار Diffusionوالنقل النشط (Active transport)
ب- عملية الإفراز (secration): حيث يتم إرجاع 99% من الماء الراشح إلى الدم ويسمح فقط بخروج 1% من الماء إلى البول وتقوم خلايا الأنيبة الملتفة القريبة بهذا الامتصاص والإرجاع للماء.
وتمتص خلايا الأنيبة القريبة أيضا الجلوكوز والبوتاسيوم وبعض الصوديوم والفوسفات والبيكربونات والأحماض الأمينية والبروتينات التي قد تنفذ إلى تجويف محفظة بومان.
من هنا فان البول غير المرضي لا يحتوي الجلوكوز.
وللكلية حد أقصى لامتصاص السكر بما يسمى بالعتبة الكلوية (Renal threshold for glucose) وهي كل ما زاد عن 150 ملجم جلوكوز في الدم فان زاد تركيز الجلوكوز في البول عن العتبة الكلوية أي 150 ملجم فانه يظهر في البول ويحتاج طرد هذه الكمية إلى كميات زائدة من الماء وهذا ما يحدث عند الإصابة بمرض البول السكري (Diabetes mellitus).
وفي لفة هنل (loop of Henle) تنشط خلايا اللفة لامتصاص الماء وإفراز وتركيز البولينا لذلك يصبح سائل الأنيبة مركزا بعد عبوره لفه هنل.
وتحدد الأنيبة الملتفة البعيدة كمية الصوديوم النهائية التي سوف تمتص، كما يحدد هذا الجزء الحجم النهائي للبول وينظم هذه العملية هرمون إدارة البول ADH (Antidiuretic hormone) يفرز من سرير المخ Hypothalamus وقشرة الغدة الكظرية Adrenal cortex وبذلك يصل البول إلى حجمه وتركيبه النهائي.
وإذا اختل عمل الكلية في الترشيح وتنظيم مكونات البول والدم احتاج الإنسان إلى عمليات غسيل الدم باستمرار وهذا شئ مكلف ومجهد كفى الله الكثير من عباده أعباءه المادية والنفسية والصحية والاجتماعية.
لذلك كان عمل الكلية من العمليات المعجزة في جسم الإنسان وعلى العبد أن يحمد الله على هذه النعمة التي تساوي ملايين الملايين من الدولارات ولا تكافأ بمال الدنيا فالحمد لله رب العالمين