الإسلام يتابع سيره مع الأسرة فينظم حقوق كل من الزوجين من صاحبه ويجعل العلاقة بينهما مودة ورحمة! بعد الهدوء والسكينة!
ثمّ إذا اشتد بناء الأسرة ونبتت في حقلها الذرية والأولاد شرع لها الحقوق والواجبات التي يجب أن تسود الوالدين والأبناء من الطاعة الكريمة والتربية الصحيحة والتأديب والتعليم!
وتمضي العناية الإسلامية بالأولاد في مراحل الطفولة تحت سمع وبصر الفطرة التي فطر الله عليها الأبوة والأمومة من الحب الطبيعي. والحنان الأصيل العريق ومع ذلك فالإسلام لم ينسَ ولن ينسى أبداً أن بعض الفطر الإنسانية قد تصدأ مرآتها في بعض الأحايين فهو لا يتركها – حينئذ – دون وصية بهذه الطفولة البريئة بل يلفت نظر الأبوين إلى عظم شأنهما في صياغة الصورة التي يجب أن تشب عليها تلك الطفولة ويرغب في وضعها في الإطار اللائق بها فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة! وأبواه يهودانه. أو يُنصرانه. أو يمجّسانه! كما تنتج بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجد عُونها!).
فإذا مرق الطفل من باب الطفولة وتجاوز سنها وعقل ما يمكن أن يعقل من أمر الحياة توجه التكليف الإسلامي إلى الوالدين أيضاً بلون آخر من الرعاية والعناية والتأديب غير ما توحي به طبيعة الأبوة والأمومة من الحب والحنان والعطف والرحمة: قال صلى الله عليه وسلم: (مُرُوهم بالصلاة لسبعٍ! واضرِبوهم عليها لعشر! وفرِّقوا بينهم في المضاجع!).
وهذا التكليف يقيم للأولاد حقاً جديداً على الوالدين فيصبح بالتالي لهما حق عليهم كذلك فإذا كان للوالدين حق الطاعة والإحسان فحق الأولاد في إحسان التربية والتعليم والاعداد للحياة!
روى الحافظ أبو نعيم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لمولاه أبي رافع: (ما مالك يا أبا رافعٍ) قال أبو رافع: أربعون ألفاً وهي لله عزّ وجلّ!
قال النبي: (لا! أعطر بعضاً وأمسك بعضاً وأصلح إلى ولدك).
قال أبو رافع: قلت: أولهم علينا يا رسول الله حق كما لنا عليهم؟ قال: (نعم.. حق الولدِ على الوالد: أن يعلِّمه كتاب الله عزّ وجلّ! والرميُ! والسباحة! وأن يورثه طيباً!).
وفي حديث الترمذي: (ما نحل والد ولده من نِحْلة أفضل من أدب حَسنَ!).
ومن حق الأولاد على والديهم العدل بينهم وتربيتهم على الألفة والمحبة حتى يكونوا يداً واحدة! ولاسيما عند تعدد الأُمّهات فلا يفتح بينهم باب التنافس المادي الرخيص مما يولد في قلوبهم الاحقاد والأضغان.. وسبيل ذلك.. ألا يفاضل بينهم في العطايا والهبات والميل. وقد نهى الإسلام عن ذلك ورآه جوراً وظلماً.
روى البخاري عن النعمان بن بشير أنّه قال: أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة – أم النعمان -: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فأتى بشير رسول الله وقال له إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله.. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعطيت سائر ولدكَ مثل هذا؟!) قال: لا! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتَّقوا الله واعدلوا بين أولادكم ولا تُشهِدني إذاً فإني لا أشهد على جورٍ!).
والإسلام أبداً لم يغفل – في أمر تربية الأولاد – عوامل الزمن والبيئة والظروف بل يلتفت إلى ذلك كله تمام الالتفات فلا يلزم الوالدين أن يطبعا أولادهما على عاداتهما وطباعهما ليكونوا صورة طبق الأصل منهما في كل شيء.. ما دام هؤلاء الأولاد يتحركون في إطار التربية الإسلامية الصحيحة.
فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (أدِّبوا أولادكم بغير ادبكم! فإنّهم مخلوقون لزمانٍ غير زمانِكم).